مدينة أكادير: جوهرة الجنوب بالمغرب

   من مدينة أكادير المغربية، ولد هذا الريبورتاج لينقل معالم هذه المدينة الجميلة التي استوقفتنا مآثرها التاريخية البهية، وتصميمها المعماري العتيق حينا و الحضري حينا آخر.
تقع أكادير جنوب غرب المغرب، مدينة برتغالية البناء، حيث بنيت  سنة 1500ميلادية، ليستعيدها المغرب سنة 1526، ويشرع في إعمارها وتحديثها.
ولهاته المدينة عشرات الأسماء، ولعل أشهرها اسم "أكادير" وهو كلمة أمازيغية صرفة، وتعني مكانا كان يخزن فيه الأمازيغ -(وهم السكان الأصليون لشمال إفريقيا)- الحبوب وكل الأشياء ذات القيمة الكبيرة.
وفي سنة 1960 ضرب زلزال مدمر المدينة، وتركها خرابا في ظرف 15 ثانية، مخلفا آلاف الضحايا الذين دفنوا تحت البنايات التي تهاوت على ساكنيها. وأعيد بناؤها من جديد بمقربة من أكادير القديمة التي دمرها الزلزال.
فلنكتشف معا سحر المدينة وجمالها البهي. 
                                                                                   ريبورتاج: رشيد اللحياني

تاريخ مدينة أكادير: بين الأمس واليوم

كانت مدينة أكادير قديما محط أطماع العديد من الدول الإستعمارية، نظرا لموقع المدينة الإستراتيجي.
استقر البرتغال بالمنطقة منذ القرن 16، وينسب إليهم بناء المدينة، وعرفت هاته الأخيرة نشاطا تجاريا كبيرا.
وفي عهد السعديين ازدهرت أكادير ومنطقتها وأصبحت سوس المملكة المحبذة لديهم فعمدوا إلى تطوير زراعة قصب السكر.

صورة أرشيفية لبلدية أكادير

و كان السكر يمثل سلعة ثمينة في المبادلات التجارية حيث كان الإسبان والفرنسيون والهولنديون وخاصة البريطانيون يأتون إلى أكادير للبحث عنها( مثل الذهب القادم من السودان) فأصبحت أكادير معبرا ضروريا بالنسبة للقوافل الذاهبة إلى جنوب تمبكتو.
وفي عام 1911 ، قام القيصر فيلهلم الثاني، ملك بروسيا، بمناورة تثبت وجوده على خليج أكادير عن طريق إرسال السفينة الحربية “النمر ” بدعوى حماية المواطنين الألمان في أكادير. وعارضت فرنسا ذلك بشدة، واقترحت اتفاقية تتعلق بالحقوق الألمانية. وبعد مفاوضات مطولة، تخلت فرنسا عن جزء من الكونغو لفائدة ألمانيا التي تخلت بالمقابل عن نواياها الاستعمارية تجاه المغرب.
و في سنة 1913 احتلت القوات الفرنسية أكادير التي كانت تتكون من نواتين من التجمعات السكنية فونتي (300 صيادا) والقصبة( 400 نسمة).
و في 29 فبراير 1960 و على الساعة 11 و 47 دقيقة هز زلزال عنيف مدينة أكادير مخلفا وراءه دمارا ساحقا.

زلزال مدينة أكادير 1960: حينما بكى السلطان

من أشد الزلازل المدمرة التي عرفها المغرب في تاريخه، وقع يوم 29 فبراير 1960.
دام حوالي 15 ثانية، بدرجة 5.7 على سلم ريختر، مخلفا وراءه دمارا مروعا أودى بحياة حوالي 15.000 نسمة (حوالي ثلث سكان المدينة في ذلك الوقت) وجرح 12.000 آخرين.
أتى الزلزال على معظم الأحياء الرئيسية للمدينة: تالبورجت، فونتي، أحشاش.

صورة خاصة ببلدية أكادير

أعطي أمر بإخلاء المدينة بكاملها، وذلك تجنبا لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية الناتجة عن تحلل الجثث والروائح المنبعثة منها، فانتشال الضحايا من تحت الأنقاض دام مدة طويلة جدا، ورشت المبيدات على موقع الزلزال باستعمال الطائرات.
وأمر بعدها الملك الراحل محمد الخامس بتشييد أكادير الجديدة،ونزلت دموعه منسابة، وقال قولته الشهيرة :

                      «لأن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فان بنائها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا»

مــــــــعالم المـــديــــــــنة:

قصبة “أكادير أوفلا”:الإرث المنسي

خاص بالبلدية

هي مشهورة حاليا بـ“أكادير أوفلا” ، عبارة عن معلم تاريخي يجسد تاريخ المدينة. تقع القصبة على قمة جبل يعلو ب 236 متر عن سطح البحر وذلك بشمال أكادير . أسست سنة 1540 م على يد السلطان محمد الشيخ السعدي لهدف التحكم في ضرب البرتغاليين الذين استقروا عند قدم الجبل منذ 1470م، في إطار بحثهم عن طريق الهند، وقد أنشئوا عند الساحل قرب عين فونتي حصناً وأقاموا على سفح الجبل برجا آخر لمراقبته، مما دفع السعديين إلى بناء القصبة على قمة نفس الجبل. وقد مكنهم هذا الموقع الاستراتيجي من قصف المنشآت البرتغالية بالمدافع  سنة 1541 م ثم تحرير الحصن البرتغالي المسمى “سانتاكروز” وبالتالي تناقصت أهمية القصبة إلى أن أعاد الغالب بالله السعدي بناءها.
تحظى  القصبة بقيمة تاريخية ورمزية كبيرة عند ساكنة سوس والمغاربة بشكل عام  غير أن هذا الثقل التاريخي لم يوازه اهتمام من طرف المسؤولين بالمدينة، وهو ما جعل القصبة تدخل في غياهب النسيان وجعلت الجميع لا ينظر بما فيه الكفاية الى الأعلى، فقد كان بالإمكان ترميمها على شاكلة قصبات أخرى بالمملكة كقصبة الاوداية بالرباط، وقصبة أزمور بالجديدة لتلعب دورها الثقافي والتاريخي والسياحي غير ان  التهاون والفشل الذريع في تسويق هذه المعلمة التاريخية التي تمنح الزائر صورة بانورامية عن شاطئ ومدينة أكادير السفلى وخليجها لعب دورا أساسيا.

وكانت القصبة قبل الزلزال مكونة من سور خارجي ذو باب دائري، وذلك بسبب أهدافها الدفاعية والعسكرية…، كما كان بداخل القصبة مرافق عديدة : مسجد ، مستشفى، مبنى الخزينة والبريد، منازل وأزقة وساحات صغرى، “ملاح”وهو حي خاص باليهود وبه معبد … وغيرها من المرافق .

كورنيش أكادير:الخليج الساحر

كورنيش أكادير من المواقع السياحية الجميلة التي يتوافد إليها غالبية السياح نظرا لجماليتها وروعة الجو الذي يميزها.
ينحدر هؤلاء السياح من جنسيات مختلفة أغلبهم من الدول الأوروبية، ويفضلون مدينة أكادير بجوها المعتدل، ويستمتعون بممارسة رياضاتهم الشاطئية المفضلة بكل أريحية. اكادير
صمم الكورنيش بشكل عصري وحديث، ليجسد حداثة المدينة من جهة، معلنا للجميع أن مدينة أكادير لم يدمرها الزلزال بقدرما بعثها من جديد.
لا يستطيع الوافد على مدينة أكادير تجاهل سحر خليجها الخلاب، ولا يمكنه أن لا يقف متأملا غروب الشمس مساء ممتعا ناظريه بروعة المنظر وبهائه.
وتقام سهرات فنية وثقافية على طول خليج أكادير أو “كورنيش أكادير”، مانحة المدينة طابعها فنيا وحضاريا، وتحاكي في ذلك مثيلاتها من المدن العالمية .
لا تكتمل زيارة المدينة دون الإستجمام بخليجها فهو يختلف عن كل خلجان العالم، فلكل مدينة جوها، وجو أكادير أفضلها.

ميناء أكادير:

بني الميناء كحاجز برتغالي وفي عام 1917 أصبح رهن إشارة أساطيل الصيد البحري المحلية، وعرف الميناء إصلاحات وتحديث كبير، جعله يتربع في قائمة الموانئ المهمة على الصعيد الوطني.

وللميناء أهمية بالغة في تنمية الإقتصاد المحلي والوطني، حيث تعرف الملاحة البحرية بهذا الميناء حيوية كبيرة، ويستقبل مئات السفن التجارية القادمة من مختلف الموانئ العالمية.اكادير

والميناء مجهز بأحدث التجهيزات والآلات المتطورة، وذلك من أجل تسهيل عمليات التصدير والإستيراد، وضمان ملاحة بحرية ناجحة.

ويعد ميناء أكادير، الميناء الوحيد في المغرب بأكمله المحمي طبيعيا من ظاهرة الترمل.

المنـشآت الـــــعلميـــة:

جامعة ابن زهر:قلعة العلم في سوس العالمة

اكاديرتأسست جامعة ابن زهر في إطار لا مركزية التعليم العالي بالمغرب سنة 1989 بمدينة أكادير، وهي مؤسسة عمومية بخصائص علمية وثقافية ومهنية،وهي بمثابة محرك أساس للتنمية في المعرفة والتعليم العالي في مختلف جهات جنوب المغرب.وتعتبر جامعة ابن زهر من أكبر الجامعات المغربية من حيث عدد الطلبة، حيث يبلغ عدد الطلبة المسجلين بها ما يزيد عن 80.000 ألف طالب.
تضم الجامعة، العديد من الكليات والمعاهد العلمية، ككلية الآداب والعلوم الإنسانية، كلية العلوم ، وكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية . فضلا عن المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، والمدرسة العليا للتكنولوجيا، والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية .
وتخرج الجامعة سنويا آلاف الكفاءات العلمية والأكاديمية التي تساهم في المسار المجتمعي يتعلق الأمر هنا بخريجي الشعب التقنية والعلمية.
غير أن خريجي كليات الآداب والحقوق يجدون صعوبة كبيرة في ولوج سوق الشغل، نظرا لعدم مواكبة التكوين لمتطلبات السوق.
وتبقى جامعة ابن زهر منشأة علمية مهمة، حيث تغطي ما يزيد عن % 52 من مجموع التراب الوطني (4 جهات و18 عمالة)، وتعزز الجانب الثقافي للمدينة.

مدينة أكادير تضيق في وصفها الريبورتاجات الصحفية، وتعجز في نقل جمالها الكلمات...لكننا حاولنا من خلال هذا الريبورتاج، نقل بعضا من المعالم التي نراها مهمة وتجسد تاريخ المدينة وتميزها عن باقي المدن... .  أكادير جوهر الجنوب المغربي، مدينة ولدت من رحم المعاناة، تخطو خطوات إيجابية نحو التقدم، تعيقها تارة حواجز تحول بينها وبين التنمية المنشودة، غير أن طموح ساكنيها يعلو ولا يعلى عليه ...

صورة التقطت بمدينة اكادير

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *