قراءة في واقع حقوق الإنسان بالمغرب

حقوق الانسان

لقد ناضل الإنسان ومازال،من أجل انتزاع حقوقه بعدما سلبت منه بأبشع الطرق و أمكر الحيل، لا من أحد سوى من بني جنسه الذين أعمى الطمع عيونهم وغلف الجشع قلوبهم،  فالكل يعي جيدا أن لا حياة بدون حقوق تضمن للإنسان كرامته وتحفظ له قيمته وتصون حقوقه.

والحديث على الإنسان وحقوقه يفرض علينا القيام بتنقيب أركيولوجي عميق وبحث مستفيض في التاريخ الغابر، ليتضح أن هذين المفهومين ظلا محايثين لبعضعهما منذ الأزل وأنهما قديمين قدم الإنسان نفسه، وهذا ماتزكيه النسخة الأولى لحقوق الإنسان التي أتبثت الدراسات التاريخية أنها تعود لعام 570 قبل الميلاد، والتي وضعها “كورش” العظيم في بلاد فارس، حيث جاء دستوره ذاك بجملة من الحقوق التي مازال الإنسان يطالب بها إلى حد كتابة هاته السطور، كما أكدت الوثائق الأخرى عبر القرون حقوق ومسؤوليات المواطنين في البلاد، بما في ذلك معاهدة ويستفاليا ، ولائحة الحقوق في ابريطانيا والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطنين، ولائحة الحقوق الأمريكية .

كما ترجع جذورها و أصولها إلى أصول دينية عريقة ، حيث نجد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في كل الديانات السماوية وغيرها من الديانات البشرية كالكونفسيوشية و الهندوسية … وهذا يضحض فكرة أن حقوق الإنسان “مفهوم غربي”.

  وفي العصر الحديث جاء ما يسمى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك عقب الحرب العالمية الثانية، تنديدا بالدمار الذي ألحق بالإنسان من جهة وتفاديا لوقوع جرائم انسانية فيما بعد.

كما تعهد المجتمع الدولي بعدم السماح على الإطلاق بوقوع فظائع من قبيل ما وقع في الحربين العالميتين الأولى و الثانية، وقد قرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بطريقة تضمن حقوق الأفراد أيا كانوا وأينما كانوا.

  ويمكن تعريف حقوق الإنسان حسب ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنها حقوق كافة الأفراد بغض النظر عن الجنس و العرق واللون واللغة، والأصل والوطن والعمر والطبقة الإجتماعية، والمعتقدات السياسية أو الدينية للحريات الأساسية والجوهرية.

وتتميز هذه الحقوق بكونها علمية وكونية وتابثة وغير قابلة للتجزئة، ومترابطة مع بعضها البعض.

  وإذا كانت كل الدول الأعضاء داخل الأمم المتحدة قد وقعت على أقل تقدير معاهدة واحدة من معاهدات حقوق الإنسان،  وأن 80 في المئة من هذهالدول قد صادقت على أربع معادات أو أكثر، فإلى أي حد تمت أجرأت هذه المعاهدات على أرض الواقع؟ وما هو واقع حقوق الإنسان داخل بلد المغرب ؟

   إن واقع الإنسان و حقوقه يعيش أزمات بنيوية عميقة، ورغم ما تدعيه الدول العظمى باعتبارها السباقة للدعوة لاحترام حقوق الإنسان، إلا أن الواقع يثبث عكس ذلك تماما، فما تنادي به تلك الدول ما هو إلا ذريعة للوصول لغاياتها وتحقيق مصالحها،  فأمريكا طالما نددت بما يقع في العالم من هضم للحقوق المدنية والسياسية وتستنكر ذلك  في خطاباتها بشدة، لكن ما تفعله يعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية أجمع … ، وما وقع من سحق للإنسان وحقوقه إبان الربيع العربي خير دليل على الوضعية القاتمة التي تعيشها حقوق الافراد.

   سنعود من هناك إلى هنا بلد المغرب،  من البلدان الأولى التي انضمت إلى منظومة حقوق الإنسان منذ مطلع التسعينات ووضعت اللبنة الأولى لتلك الحقوق وذلك عام 1990 حيث تم إنشاء المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان  الذي ضمن جملة من الحقوق المدنية والسياسية.

وكتتمة لما بدأه أبوه “الحسن الثاني” , جاء محمد السادس ليوسع نطاق حقوق الإنسان حيث أحدث مجموعة من المؤسسات ولعل أبرزها هيئة الإنصاف والمصالحة التي جاءت من أجل تطبيع العلاقة مع ضحايا الإعتداءات و التجاوزات الماضية لحقوق الإنسان …

كما شملت هذه المنظومة كلا من المرأة حيث تم الإعلان عن مدونة الأسرة وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات  لرد الإعتبار للمرأة و صون كرامتها وجعلها تتمتع بحقوقها كاملة، وكذا الطفل الذي انشأ له ما سمي “بالمرصد الوطني لحقوق الطفل” ، وقد أخذ بعين الإعتبار كل آلفات الإجتماعية ضمن هذه المنظومة الحقوقية كالمهاجرين و اللاجئين …

وجاءت هذه التعديلات الحقوقية من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون،  والقطع مع الماضي الأليم ، وكذا تأسيس ثقافة حقيقية لحقوق الإنسان ببلادنا وكسب رهان الديمقراطية بمفهومها المعاصر.

  والدارس لمسار المغرب الحقوقي سيرى للوهلة الأولى أننا نعيش في دولة فاضلة ، الحديث فيها عن الإنتهكات نكتة تضحك وعبارة طلسمية عصية عن الفهم،  لكن بالنفاذ للعمق سندرك لا محالة أن حقوق الإنسان بالمغرب مأتم يعزى فيه السياسي و الحقوقي ، ومندبة يولول فيها المثقفون والمفكرون والإعلاميون،  وجنازة يصلي فيها العلماء والفقهاء والفضلاء على الإنسان وحقوقه .

وهذا ما تزكيه التقارير الدولية التي ترفع بين الفينة والأخرى عن المغرب ، فمنظمة ” هيومن رايتس ووتش” للدفاع عن حقوق الإنسان أكدت مرات عديدة عن الوضعية المظلمة التي تعيشها حقوق الإنسان بالمغرب.

ويتضح لنا صدق ما تنقله تلك التقارير، حينما نأخذ مثلا نموذجي حرية التعبير وحرية الصحافة بالمغرب ، فهذين الأخيرين مرتبطين ببعضهما ارتباطا وثيقا بحيث يستحيل الفصل بينهما، وحرية التعبير مجرد شعار لا غير، فالتشكيك في شرعية النظام الملكي مثلا هو من المحرمات، كما أن النقاش حول الإسلام السياسي مقيد بشدة ، ومن الطابوهات أيضا المس ب”سلامة ” أراضي المملكة أي التأكيد على مغربية الصحراء …

أما حرية الصحافة ببلدنا فالتاريخ حافل بانتهاكات جسيمة في حق العديد من الصحفيين , فالصحفي علي المرابط الذي منع من ممارسة الصحافة لمدة 10 سنوات وغرم ب 50,000درهم ، وذلك بمجرد تعبيره عما اكتشفه في مخيمات تندوف حيث قال:    ” إن مختطفي تندوف من المغاربة الصحراويين ليسوا مختطفين، بل ذلك كذب وافتراء، وإنهم موجودون في مخيمات “البوليساريو” بمحض إرادتهم “.

وما وقع لرشيد نيني في 2011 زاد من مصداقية ما قيل عن المغرب وتعامله مع حقوق الإنسان، حيث تم سجنه التعامل معه باعتباره مجرما وما كان ليطلق سراحه لولا التنديدات المتتالية للمجتمع المدني بمختلف هيآته .

تسعى الدولة المغربية جاهدة لولوج المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، وإعطاء صورة إيجابية لجميع المتتبعين للشأن الحقوقي المغربي عن واقع حقوق الإنسان بالمغرب، غير أن ما يقوم به المغرب جد محدود مقارنة بما وصلت إليه دول أخرى على المستوى الإقليمي والعالمي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *