كن حمارا، لكن لا تدر الطاحونة

love7mar

يتناسل البشر، كما تتناسل الحيوانات في البراري، يولدون كما تولد، ويأكلون كما تأكل، بل من الحيوانات تعلم البشر الكثير ومازالو يتعلمون، فمن الغراب تعلم قابيل كيف يواري سوءة أخيه هابيل منذ فجر التاريخ، ومن اللامعقول أن نصف الإنسان بالحيوان، لأن هذا الأخير أشرف منا بكثير، ولا يصح والحال هكذا أن يصف أحدهم شخصا بالحيوان احتقارا له، بل علينا أن نحيل صفة الحيوانية على كل ما هو جميل وإيجابي.
الحيوانات تضفي رونقا رائعا على البيئة التي تعيش فيها، كما تحافظ على التوازن الإيكولوجي، تقتات على ما يكفيها لسد جوعها وفقط وتنأى عن الإسراف، حتى أن الحياة الجنسية لديهم تعد أرقى وأجمل من نظيرتها لدى البشر، ففي أعماق المحيطات مثلا كشفت إحدى الباحثات الأستراليات “شيري ماريس” أن أثى سمك “الشص” تقوم بإفراز رائحة لاجتذاب الذكور حيث يلتصق بها بقية حياته، وللعناكب حيل رائعة في التزاوج، فالذكر يقوم بداية باصطياد حشرة تكون بمثابة الهدية المقدمة للأنثى وبعدها يصطنع الموت، وعندما تقترب الأنثى وتأخذ الفريسة المقدمة كهدية يفاجئها العنكبوث الذكر بالإنقضاض عليها واضعا نفسه في وضعية التزاوج مع أنثاه، وبعد عملية التزاوج يقوم الذكر بترك جزء منه داخل أنثاه لكي يمنع الطريق أمام الذكور الآخرين …، الشامبانزي الذكر يختار أفضل ما تجود به الأشجار من فواكه ليقدمها لشريكة حياته ويستميلها لجهته، وهو جد غيور على أنثاه، فيصير عدائيا عندما يشك في أن شريكته تخونه، فإذا تبث ذلك هجرها …،ذكر الهدهد يطعم الأنثى أثناء فترة الحضانة ويطعم الصغار بعد الفقس ويظل وفيا لزوجته ولا يتزوج بعدها في حال موتها ..
ومن أكثر الحيوانات شبها بالإنسان، صديق وفي له هو الحمار، مخلوق جميل، له حوافر صغيرة وأذنان جذابتان، وعيناه من أجمل العيون، ينطقان بالبراءة وحب الخير للجميع، ينطقان بالتضحية والتفاني في العمل، وله إطلالة أجمل، وعضلات مفتولة، وصوت شبيه بأغاني الجاز، يسمى النهاق، وأنثى الحمار تحمل لمدة شهرا، وهي في استعداد دائم للتزاوج كل شهر.
الجد الأول للحمير الحالي أصله إفريقي وجد لأول مرة في القرن الأفريقي قبل ما يقارب 12 ألف سنة،تقول المصادر أن أصله صومالي، ولما لا قد يكون هذا الجد الأول مغربيا، والحمار أخ الإنسان، فقد قال عنه الكاتب الأمريكي “روبرت غرين”: “هذا النوع، يملك وداعة البقرة، جلد البغل وشجاعة النمر، وذكاء يقارب ‫#‏أخاه_الإنسان‬ … ما حذا بعديد من العائلات لأخذه كحيوان أليف حين تتوفر المساحة” …
يكفي أن يكسب الحمار ثقة صاحبة، حفنة من شعير كل يوم كافية لذلك، وسيفعل الحمار الجميل كل ما يطلب منه، يحمل ما لاطاقة به للبشر دون أن يدري ما يحمل فوق ظهره، يقطع بحوافره مختلف المسالك الوعرة التي تعجز أحدث السيارات اليوم عن قطعها، يصعد الجبال ويقطع الهضاب والسهول دون كلل أو ملل …إنه حقا مخلوق جميل…، استعملت الحمير في الحروب، وما يزال تمثال “John Simpson Kirkpatrick” مع حماره الذي أنقذ به آلاف الضحايا خلال الحرب العالمية 1،يخلد هذه المهمة الجبارة …
“الحمار” كلمة لها دلالة اجتماعية سلبية، للدلالة على الغباء، والغباء ليس عيبا مادام مشتركا بين الحيوان والإنسان، ولا يوجد شخص غبي بقدرما هناك اختلاف في استخدام قدراتنا العقلية، فليفتخر كل من يوصف بالحمار، لأنه يسدي خدمات جليلة للمجتمع والوطن،لذلك جسد الحمار قديما كآلهة، ففي مصر القديمة رسم إله الصحراء والعدم بشكل حمار في المعابد القديمة، كرمز لمساعدته الإله رع خلال رحلته في العلم السفلي، وفي الرسوم المسيحية نجد المسيح راكبا الحمار …
لهذا يجب علينا أن نفتخر لأن المغاربة أشبه بالحمير، وهذا فخر لهم، لأنهم أسدو للوطن ورب الوطن خدمات جليلة …
لكن بعض المغاربة حمير من نوع خاص، وحسب المغربي شرفا أن يكون حمارا، وهل هناك أشرف من أن تكون #حمار_الطاحونة، تسدي للوطن ورب الوطن خدمات جليلة، والشرف كل الشرف خدمة الوطن، حمار الطاحونة، مهمة خاصة من مهام الحمار، فل نقف قليلا عند تعريف مقتضب لحمار الطاحونة، إنه بطل أسطوري لنقل إنه أورفيوس محبوب مينرفا آلهة العدالة وبطل ملحمتي هوميروس “الإلياذة والأوديسا”، يجب على الحمار أن يدور لكي تدور بدورانه طاحونة حجرية ضخمة تقوم بسحق الزيتون وعصره، وإذا توقف الحمار توقف عصر الزيت وتوقف الإنتاج أيضا، وليس من الذكاء في شيء أن يظل شخص ملازما للحمار لجعله يدور دون توقف، هنا يتم اللجوء لحيلة من الحيل، حيث يتم وضع غشاء يحجب الرؤية على الحمار تمنعه من رؤية محيطه، وبعد ذلك يؤمر الحمار بالحركة مع ضربات على مؤخرته وظهره، وينقطع الصوت الآمر بالحركة ليعم الصمت المكان لكن مع توالي الضربات، ليبقى الحمار في النهاية يدور في غياب صاحبه وحتى بعد نفاذ حبات الزيتون داخل الطاحونة، ويواصل دورانه كما وقع للجن مع النبي سليمان …
أكبر تجسيد ل”حمار الطاحون”، هم “المخازنية” وبلغة أكثر رونقا وجمالية “القوات المساعدة”، وهم أعلى درجة من الكل لأنهم يساهمون إلى جانب “الأمن” و”الدرك”و…. في خدمة الوطن، “المخزني” مغربي من الطبقة الكادحة في المجتمع، من ابوين كادحين أيضا، وهذا ليس عيبا، لكن العيب أن يتصارع الكادح مع الكادح خدمة للبورجوازي، يقوم هذا الكادح “المخزني” بضرب أبناء الكادحين داخل الجامعات وقمع احتجاجاتهم المطالبة بالحقوق الطبيعية “خبز، عمل، تطبيب،دراسة جيدة…”، ويقوم بقلب عربات الكادحين من الباعة المتجولين، بل قد يصاب البعض بعاهات مستديمة أو قد يفارق الحياة بسبب القمع المخزني … لماذا كل هذا يا “مخزني” … الجواب: إسأل الحمار لماذا يدير الطاحونة؟
خدمة الوطن شيء، وأن تكون “حمار الطاحونة” شيء آخر …، كن حمارا ولكن لا تدر الطاحونة …
الجيوش في الدول الديكتاتورية ليس دورها حماية الوطن والدفاع عنه، إنما دورها حماية المصالح العليا والخاصة للمستفيدين من خيرات الوطن، بهذا المعنى يكون الجندي في هذه الدول “حمار الطاحونة” أيضا، لم لم يحم الجيش العربي السوري شعب سوريا المشرد اليوم؟ لما لم يحم الجيش الليبي ليبيا؟ لما لم تحم الجيوش العربية اليوم شعوبها من ديكتاتورية الأنظمة؟ …، بصيغة أخرى لماذا تخضع الجيوش للحكام وتدافع عنها، ولا تدافع عن الشعوب؟ هل الحاكم هو الوطن؟ أم الشعب هو الوطن؟ هل لحاكم أن يحكم بدون شعب؟ وما قيمة الأوطان بلا شعوب؟ وما قيمة الحاكم بلا شعب؟
رئيس الحكومة أيضا، يشتغل بمنطق “حمار الطاحونة”، يدير الطاحونة دون توقف، ولا يستطيع التوقف إلا إذا تم استبداله بمن يعوضه في جعل الطاحونة تدور، ودوران الطاحونة مستمر مادام هناك حمير لجعلها تدور وتدور وتدور …دون توقف …
يستفيد “حمار الطاحونة” من مخلفات الزينون، لكنه أبدا لن يتذوق طعم الزيت المعصورة، ولن يستمتع بمذاقها، سيمزج رائحة الزيت مع مخلفات الزيتون واهما نفسه أنه يستمتع بتذوق الزيتون الذي تعب في طحنه، ليقدمه معلنا تفانيه في خدمة اللاوطن …
كن حمارا، ولكن لا تدر الطاحونة …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *