عذرا أمي لن أقلع عن التدوين …

httpxenutech.blogspot.com

صرخت أمي في وجهي صرخات مدوية، تطلب مني أن أكف عن كتابة بعض التدوينات التي كنت أكتبها في جداريات الفايسبوك وعلى مدونتي الشخصية، أمي لا تعرف معنى التدوين، غير أن أخبارا بلغتها من أحد الأقرباء مفادها أنني أنتقد السياسة والنظام الملكي وهي أمور أدت بالكثيرين من المغاربة للسجون والمعتقلات …

أمي ما زالت تحتفظ بتلك الصورة التي رسختها سنوات الجمر والرصاص، كفترة قمع و اضطهاد لكل الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة والديموقراطية، والرافضة لكل اشكال القمع والإستبداد والديكتاتورية …

حدث هذا سنة 2011 ، وذلك عند بداية ما يسمى “بالربيع العربي” ، كنت أتابع باستمرار الأحداث السياسية وتطورها المتسارع، أحلل بيني وبين نفسي ما يحدث وأدون أحيانا ما أراه صالحا للتدوين وما قد يفيد القارئ بعيدا عن الخطابات الإعلامية الموجهة، وبعيدا كذلك عن التحاليل السياسية اللا موضوعية …

لم تعد أمي وحدها ضد تدويناتي، بل أصبحت أتلقى خطابات شديدة اللهجة من أقاربي أيضا، خطابات يعيدونني فيها لتاريخ لم أعشه غير أني قرأت عنه في تاريخنا المدون بعناية، إنه تاريخ القمع والمخزنة بشتى ألوانها، فأقف متسائلا، هل ما أفعله خطأ؟ أليست حرية التعبير حقا مكفولا في المواثيق الدولية؟ ألم تتأسس الثورة الفرنسية على حرية الرأي والتعبير؟ أوليس من واجب الدولة أن تكفل حرية الرأي وتضمن لكل مواطنيها؟

إتصل بي أحد أقاربي مباشرة بعد أن نشرت تدوينة على صفحتي الشخصية على الفايسبوك، ليعاتبني على ما كتبت، وليذكرني بمآل آلاف شرفاء هذا الوطن الجريح، الذين انتهت حياتهم بين زنزانات ومعتقلات سرية … ، اكتفيت فقط بالرد على كل جملة يتمها ب “نعم”، لم أناقشه ولم أجادله، فعندما يتحدث الكبار علينا نحن أن ننصت، هكذا علمتني أمي …

لم ينته زمن القمع كما كنت أعتقد، بل لا يخيفني ذلك ولم أتراجع عن التدوين رغم كل ما سمعته، أثق فيما أكتب، وسأستمر في التدوين حتى تحملني أكتافهم إلى اللحد…

عذرا أماه، لا استطيع أن اقلع عن التدوين، بالتدوين أدخل عالمي الخاص، بالتدوين أرحل من عالم مر كئيب إلى عوالم كلها أمل وإشراق …، بالتدوين يصل صوتي في دولة أسكتت كل الأصوات، ثقيلة هي قيودي أماه وبصوتي سأكسرها…

أمي لا ترفض التدوين، ولا تهتم أصلا به، هي لا تريد أن ترى احد أبنائها داخل قضبان سجون الذل والعار، لم ترد أن يرحل عنها إبنها لعالم ربما قد يعود أو لا يعود …

هي حروف، نصنع منها كلمات، لنمزج الكلمة مع أختها، لنخرج للوجود جملة تتناسل لتلد تدوينة تحمل هموم أفراد، حاجاتهم، طموحاتهم، آمالهم وآلامهم أيضا، إننا حين ندون يا أماه لا ننطق بصوتنا وفقط، بل نحمل أصوات من يعجزون عن الكلام، أصوات من لا صوت لهم في دولة أسكتت كل الأصوات، إن المدون يا أمي هو نبي هذا الزمن … فرسالة الأنياء تأني من السماء، ورسالة المدون تأتي من الأرض … فالأرض هي موطن الألم وهي منبع الأمل أيضا …

دون يا ولدي ففي التدوين حياة وفي الصمت موت ، هكذا أقنعت أمي بأن ما أفعله ليس جريمة إنه حق من حقوق البشرية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *